الدرب: قصة قصيرة ــ لـ عبدالله خليفة
إلى أين يسيرُ هذا الطابورُ الدامي الأقدام ؟
لا أثر للقرية أو القصر أو البحر أو الحدائق أو النسمات الشمالية ، تلالٌ من الرملِ وحقلٌ من النخيل الشيطاني ومرتفعاتٌ صخرية ومنخفضات كأفواهٍ جائعة، والشمسُ هذا البركان المتنقل المتفجر يرسلُ قذائفهُ في الوجوه وهذا الطابورُ يزحفُ بمعاوله ورفوشهِ وجرارتهِ وخيامه وعرقه وأرقه وصرخاته وسياطهِ مجتاحاً الرمال والأعشاب والصخورَ والتلال والنخيل ، خيوطاً من الدخان تعلو فوقه ، يشقُ طريقَهُ مخلفاً خطاً أسود ودماً وعظاماً وبقايا الطعام . .
واجهنا حقلٌ من النخل ، جذوعٌ منتصبة بانحناءات مكسورة ، مجموعة من الشيوخ الشحاذين على أبواب الصحراء . . تمدُ أيديها للماءِ ولكن البلدوزر الأصفر يمدُ لها لها أسنانـَهُ . . تجتاحُ الأعشاب . . يجتاح الأعشابَ والفسائل الصغيرة يقطعها بحدة وقوة ، ننظر إلى الشمس الصاعدة نحو قلبِ السماء ونخفضُ رؤوسنا بسرعةٍ ، إنها تعصرُ القلبَ وتشربُ الدمَ .
يطعنُ البلدوزر النخلة الشامخة ، تلك التي تنتصبُ في عمق الطريق ، يجأر بالغضب وهي تقاوم بصلابة ، يتناثر ( الكرب ) فوق الأرض وتنتزعُ الأسنانُ تلك القشرة السوداءَ لتصلَ إلى البياض الجميل ، تنحني النخلة قليلاً ، تغوصُ الأسنانُ ، يرهفُ السمعَ إلى الأرض اللامبالية . .
أقطعُ بذوراً ، أجمعُ حجارة ، أصطدم بعامل آخر . .
جوزيف ينحني لي بابتسامة جميلة ، كوجههِ الوسيم . . اكتسى سمرة الهند الجنوبية ، نتعاون على قطع نخلة صغيرة ، نضربها بحدةٍ وغضب ، لكنها لا تتأثر . . أرى البلدوزر يتراجعُ عن النخلة العملاقة ، ويفاجئها من الخلف بضربةٍ حادةٍ ، تهتزُ، ضربة أخرى ، لكنها لا تسقط ، العامل الإنجليزي الذي يقودُ البلدوزر يصرخُ بهياج ، نسمعهُ فنحفر لنخلتنا ونقطعها من الأسفل ، يتراجعُ الأنكليزي ويطلبُ من العمال الانتباه . . يهجمُ بضراوةٍ ، تقطع السكينُ الضخمة النخلة فتتهاوى جثتاها بصخبٍ ، ننطلقُ إليها ، نرفعها بسرعةٍ وخفة ونلقيها حيث تجمعت الجذوعُ في مقبرة هائلة . .
تحتشدُ السواعدُ ، تتقاربُ أجسادٌ كثيرة لمئات الرجال ، العرقُ ينضحُ ويغسلُ الخرقَ الكاكية اللون ، الجذوع تــُقذف بعيداً ، الحصى يــُنزع ، الجذور تــُقلعُ بعنفٍ أو تــُقطع أو تــُحرقُ ، بقايا البركة تــُهدمُ وتــُسوى بالأرضِ . أنصتُ إلى صيحات الأطفالِ الذين كانوا يغوصون ويتسابقون من أجلِ حبة لوز ، يتذكرُ جوزيف مدينتَــهُ الكبيرة التي قدم منها ، إنها باتساع هذا الرمل وذاك البحر ، والبشر أنهارٌ تصبُ في كل مجرى ، والغاباتُ الساكنة قرب الجبال ، الخضرة بامتداد النظر ، الورقة الخضراء صفحة من كتابٍ مقدس ، والمطرُ والأنهارُ والمعابدُ والقلاعُ القديمة ومصنعهُ الذي غادرهُ ، وأصدقاؤه وزوجته وطفلتاه ، يضربُ الأحجارَ بعنفٍ ويرملُـها ، يتوقفُ ، يدخن ، يميلُ قبعة القشِ نحو عينيه ، يقول :
– يا للشمس ؟ ! نحن لدينا شمسٌ مؤذية ولكن ليست مثل هذه ؟
ذهبتُ مراراً إلى غرفتهِ الوساعة ، حيث عسكرَ جيشٌ صغيرٌ من زملائهِ ، أصطفتْ الأسرة قرب بعض ، فــُتحت النافذة على مصراعيها ، وأنهالت موسيقى الرقص والغابات والجبال والثلوج . . يحدقُ في السقف طويلاً أو يرمقُ صورة العائلة المشتركة . . ما أجمل وجه زوجته ! تنطقُ العينان والقسماتُ والفمُ الصغير والأنف الجميل : ( تعال ! ) ، يتأوهُ بحدة ، ويسحبُ علبة البيرة وينفثُ الدخان . . قطارٌ صغيرٌ يمضي في البحر أو الرمل وهو يلوحُ من بعيد عبر النافذة ، تضيع حقيبتهُ في المطار ، يقرأ نص العقد فيفاجئ بالغرفة الجماعية ، ينتظر دوره للحمام وهو يئنُ من الألم . . يلوحُ لزوجتهِ وتضيعُ ملامحها في النهر البشري المتدفق ، يتذكرُ إنه نسي أن يقبل أبنته الكبرى لآخر مرة ، يرفعُ يدَهُ ، يصرخُ ، وينطلقُ القطارُ ، تضيعُ صيحاتهُ في الأجواء والزحام والمطارات والتأشيرات والتفتيش والحجر الصحي وعقد العمل الغريب واللغات والوجوه المكفهرة ، ينهارُ على فراشهِ مفرغاً العلب والنقود والسجائر ..
يقتربُ رئيسُ الملاحظين الأنكليزي (ديفيد) ، يخزنا بإحدى عينيه ويهزُ العصا في يدهِ ، أكتسي بالعرق :
– لا أريدُ أية أحاديث أثناء العمل !
طالما رددَ هذه الملاحظة ، أمس تشاجر مع عامل وضربه بالعصا ، توقفَ العمالُ لحظة وهم يسمعون شجاره مع الرجل ، تصاعدتْ صرخاتهُ ، هجمَ بحدة ، تحاوط الملاحظون العمال ، دفعوهم نحو العمل ، مهدنا الأرضَ بصمتٍ ، سمعنا عويلَ الرجلِ ثم رأيناهُ ينهضُ وينفضُ الترابَ ويندسُ في الجموع . .
استوت الأرضُ تماماً ، اختفتْ البركة والأوراقُ والجذورُ ، فرغتْ الشاحناتُ حملتها من الأسفلت . . اقتربنا من فلسعتنا أنفاسهُ الحارة ، غرفنا برفوشنا ونثرناهُ . . أيدٍ كثيرة ، تلالٌ سوداءُ عديدة ، بخارٌ يتصاعدُ ، أحسُ بوجهي يشوى ببطءٍ وبلا توقف . . كم بحثتُ في المكاتبِ عن عمل !
زاحمتني الاكتافُ والرسائلُ ودخلتُ مكاتبَ باردة كالثلاجات ، رمقتني السكرتيرات بلا مبالاة ، سرتُ على الأرصفة ، قرأتُ إعلانات الصحف ، ثم فتحتْ الشمسُ ذراعيها الطويلتين وضمتني ، تمددَ الأسفلتُ على الطريقِ النامي . .
بدأت الصحراءُ تستقبلنا ، الرملُ الأصفر لا نهاية له ، ثمة تلالٌ وحفرٌ وأتربة ، الطابورُ يغادرُ مكانَهُ ويمضي ، ثمة حفرٌ واسعة علينا أن نردمها . . الآلاتُ والرجالُ تنطلقُ حيث تكومَ الرملُ . . جوزيف أيضاً معي . يبدو أن تعباً عنيفاً قد تسلل إلى هيكلهِ الصغير . . يملأ الشاحنة بالرملِ ببطءٍ . .
أغرفوا ، أغرفوا ، أملأوا هذه الحفر بالرمل ، الطريق لا يعرف أحدٌ إلى أين تقود ، بعضهم يقول إلى قصرٍ فضخم ، البعضُ الآخرُ يؤكد إنه إلى جسرٍ ، أغرفوا ، أضربوا هذه التلال ، يتطايرُ الغبارُ ، أسمعهُ يتألمُ من عينيه . .
روى لي جوزيف إنه كان مدمناً على القراءة ، في المصنع الذي عملَ فيه اكتشف أشياءَ كثيرة ، الحروفَ وأسرارَ الكلمات ، الأصدقاءَ ، السواعدَ التي تقفُ معاً ، الابتسامات الطالعة من القلبِ ، جلساتِ الغناءِ والاكتشافاتِ والرحلاتِ ، كان المطرُ والشمسُ الهادئة ، كان الشتاءُ والمعاطفُ والجمرُ ، الطفلتانِ والأمُ والسمرُ ، هناك غرفتاه الصغيرتان ، أكتملَ كلُ شيء وراءه ! كيف وجدَ نفسه فجأة في صحراء يشتعلُ رملُها وتقذفُ سماؤها الحمم ؟
عيناهُ ، كأنهُ لا يرى ، يقذفُ الرمل بعيداً عن الشاحنة ، يملأ وجهَ أحدَ العمال ن يشتمهُ الآخر ، يقتربُ ديفيد منه ، يهزهُ بعنفٍ :
– ألا ترى جيداً أيها الغبي ؟
– امتلأت عيناي بالغبار . .
– أهذه خدعة للراحة ؟
من جديد يغرفُ ، الحفر عميقة كالآمال الخائبة ، الشمسُ استوت فوق السماء ، اندفعَ اللهب من الرمل والقار . . الأعماقُ الخائبة لا ترتوي بالرملِ ، لم تعد لديهِ كتبٌ هنا ، في النهار تحت الشمس ، في الليل يقدمُ المشروبات في البار ، الدخانُ والسهرُ والأهاناتُ والتعبُ والرغبة في النوم والرحيل ، ومرة أسقط كأسَ البيرة المليء في حضن رجلٍ فلكمهُ بقوةٍ ، سقط تحت الطاولة ، كانت الأشياءُ كلها تدور حوله ، الكؤوس والوجوهُ والمصابيحُ الصفراءُ والكوفياتُ البيضُ والطاولاتُ ، أحس بنفسهِ يرتفع ويحلقُ في الأعالي ، كأنهُ يجثمُ على مقعده في الطائرة ، كأنهُ يمدُ يدَهُ من القطار ويتذكرُ إنه لم يقبل أبنيته الكبرى المريضة، لم يودع أصدقاءه في المصنع ، أخذت الأضواءُ الخافتة تدورُ كالزنابير ، الوجوهُ تدورُ ، كانت اللكمة موجعة وحد الطاولة موجعاً ، الندل يغسلون ثوبَ الرجلِ الذي راح يدور ، أبصر نفسَهُ يغرق في بحرٍ عميق من البشر والأحجار والزجاجات الفارغة . .
اقتربتْ سيارة فخمة منا . . أزيحت ستائرٌ داخلية وأطل وجهُ رجلٍ عجوز . . طالع ما أنجزناهُ بغضبٍ واضح . . ثم اندفعتْ العجلاتُ الأربع وأطلقت سحابة غبار عارمة . .
نصف ساعة الغداء ابتدأت . تجمعنا في الخيام الكبيرة المنصوبة . تزاحمنا في بقعةٍ ضيقةٍ وظهرت أكلاتٌ من الجنوبِ والشرق والغرب . تصاعدت الشكاوى والضحكات والآمال ، قال أحدهم : إن رجلين أصيبا بضربة شمسٍ ونقلا للمستشفى . كم تمنى جوزيف أن يصاب بضربة شمس ويرتاح عدة أيام ! أمس حطم ديفيد وجهَ رجلٍ رفض أن يعمل ، سمعنا صيحاته ، نظرنا إليه ، كانت الأيدي تمسكُ الرفوش والمعاولَ وتقودُ العربات والآلات ، ثمة لحظة خاطفة توقف فيها كلُ صوتٍ ، تلك اللحظة الغريبة التي لم يسمعْ فيها سوى الضرب ، وقفت الأيدي لحظة حدادٍ على شيءٍ مبهم ، أنصتنا غلى الرجل وهو يبكي ، الرجلِ ذي اللحية الكثة واسمال الجبال ، بدا أن النشيج قد انبعثَ من الشمس والأرض والتلال والخيام ، ملأ الصوتُ الفضاءَ . . استحالت اللحظة الخاطفة إلى وقتٍ طويل لا يريدُ أن يفضي إلى نهايةٍ . نظرنا إلى بعضنا البعض ، رجالٌ سود وصفرٌ وبيضٌ ، أنبتتنا جبالٌ وأنهارٌ ومدنٌ وصحار ثم القانا التيارُ الصاخبُ في جدولٍ ضيق . النظراتُ تقتربُ ، تكونُ شيئاً غامضاً ، كأن الأيدي تمتدُ وتتجمعُ . لكن البكاءَ توقف ، واستعادتْ الضجة مكانَها المفقود . .
انتهت نصفُ ساعةِ الغداء الخاطفة ، فترة لذيذة رغم التكديس في الخيام . غفوة صغيرة منعشة . لم تزل الشمسُ مرابطة فوق العيون ، لا نسماتٍ ، لا طيورَ ، لا نخيلَ . أسربة وأتربة وأفعوانٌ أسودٌ يزحفُ إلى جهةٍ مجهولة . قالوا إن الطريقَ يفضي إلى قصرٍ عالٍ في الصحراء ، وأنه ينتظر قدومَ مالكهِ من رحلة شهر عسل . قالوا إن زفافاً مذهلاً سيبدأ فيه . لم يعد يهمني شيءٌ في هذه الحياة ، سرتُ وسرتُ وركضتُ في الطرق ، بحثتُ عن عملٍ حتى أهترأت أصابعُ قدمي ، أنحنيتُ أمام تاجر سلعٍ مهربة ، انتظرتُ أياماً أمام بابِ مقاول ، حتى خفتَ صوتي . لا يبدو أي قصر في هذه الآفاق ، وعلنيا أن نهرولَ في هذا الرمل المجهول . حثتني زوجتي على أن أصمت دائماً ، أمسكتني بحدةٍ وهي تصرخُ ، خرجتُ من المنزل لاعناً كلَ شيء . .
زحفنا ، جاءتْ الشاحناتُ وألقتْ الأسفلت . الملاحظون انطلقوا يعنفوننا على الكسل والأحاديث ، ارتفعت عصيهم وأصواتهم ، أندفع الطابورُ الهائل إلى تلالِ القارِ المتكومةِ ، راحتْ الرفوشُ تأكلُ الوجبة السوداء بنهم ، تتصاعد الأبخرة وهو ينــُنثر على الأرض . .
اقترب مني جوزيف وقال :
– لا أستطيع أن أحتمل أكثر . .
الكلمات التشجيعية تتبخرُ في هذا الجو . سقط عاملٌ على الأسفلت . أندفعنا إليه ، غاصَ في القار وشوى ظهره . يتكلمُ بلغةٍ رنانة كالعصافير . نزعنا قميصه ورأينا آثاراً حمراء وانتفاخات في كلِ جسده ، يرتعشُ . أخذناهُ إلى إحدى الخيام . الملاحظون يدعوننا إلى ترك الرجل فوراً .
يتقدمُ ديفيد بحنق :
– عندما يسقط رجلٌ لا أريدُ أن أرى أحداً يقتربُ منه . .
يفضُ الصفوفَ بعصاه ويديه وبصاقهِ وشتائمهِ . نعودُ . أنصتُ إلى طائرٍ متعبٍ يرفرفُ في السماء ، يطلقُ نداءاتٍ من أعماقهِ إلى كائناتٍ بعيدة ، إلى أين تريدُ أن تمضي في هذه البراري الموحشة ؟ يلتفتُ جوزيف ويصغي . يقتربُ طائرٌ آخر ، ظهرَ من لهيبِ النار الذائبِ في الهواء. يمضيان معاً ، ويتغلغلان في الضوء ..
أي هدير لهذا الطابور ؟ اهتزتْ الأرضُ ، ترنحتْ التلالُ من المعاول وآلات الحفر ، حاولتْ الصخورُ أن تصدَ التوغل ، أطنانٌ من الحصى تــُقذف بعيداً ، الطريق يبدأ خطوة ثم يستعُ ، العرقُ والكره لكلِ شيءٍ والحقد على الناس والحجارة والشمس والقصر والأكواخ . ذات ليلةٍ تـُضاءُ بقعة كبيرة في الصحراء ، تأتي قوافٌ من السيارات الفخمة ، عبر الطريق ، تنتشرُ المضاربُ حول البيت الفخم المتلألئ بالأنوار والنساء ، تشتعلُ النارُ تحت السفافيد والقدور الكبيرة السوداء ، رائحة السعف المحترق والشمبانيا والكافور تهفهفُ مع الريح ، دقاتُ الطبول والدفوفِ وضجة الجاز تسري في الصحراء الباردة . . هل سيرى المخمورون النائمون على مقاعد سياراتهم أية عظام على الطريق ؟
تتناثرُ الصخورُ بعيداً عن الطريق ، يريني جوزيف كائناً غريباً يزحفُ هارباً . كان ضباً كبيراً مذعوراً . قالت لي أصمتْ فصمتُ . اندفعتُ في الشوارع وأرصفة الميناء ، دخلتُ المكتبَ الأنيق فقال لي الرجلُ إننا نريدُ أن نوظفك ولكن . .سرتُ بين الحديد الخردة ، واسترحتُ في الظل ، قرأتُ في الجريدة ، أبصرتُ ألسنة مقطوعة وأنفاقاً مهدمة . .
سقطتْ قبعة القش التي يلبسها . يمسكها بصعوبة ، وجهه احتقن بالدماء في حمرة النفط المشتعل ، أضواءُ الآبار تسحبهُ من زحمة البشر المتكدسين . يلقي الكتابَ جانباً وينطلقُ ، القطارُ ضجة مدوية في الآفاق الخضراء ، قالتْ زوجتي : أصمتْ ! تضيعُ الحقيبة والحقيقة ويشعرُ بأنه طفلٌ ضاعَ في غابة ، قالت زوجته : تعالْ ! لم يرسلْ بطاقة العيد للأصدقاء ، ترنحَّ على الأرض ، ترنحَّ المعولُ والقبعة ، أمسك حجراً دخلَ في كتفه . . لم يتجمهر العمالُ حوله ، سرتُ نحوه ، الملاحظون تنبهوا ، سمعتُ نداءات خلفي ، خفتتْ الضجة قليلاً ، كان جوزيف بلا حراك ، كأن حربة سحرية ثقبت رأسه ، رفعتهُ ، نداءات وصرخات حولي ، توقفَ البلدوزر ، ورأيتُ النخلة تنحني ، قلتُ : سأحملهُ إلى الخيمة ثم أعود بسرعة ، دفعني أحدهم بقوةٍ ، رأيتُ ديفيد فوق رأسي ، خفتُ . .
– قلتُ لا تفعلوا ذلك !
ضربني بحدة على كتفي بعصاه . جاشَ صدري بماءٍ حارقٍ ، أستكنتُ وأنا أمسكُ حجراً ، النخيل المحتضر ، الضبُ الهاربُ ، البار الطاولة التي سقط تحتها جوزيف، تدورُ ، الشمسُ التنورُ ، طابورُ العمال الصامت يدورُ ، اللافتاتُ ، إعلاناتُ الجرائد .
– لا يحقُ لك أن تضربني !
– أخرس !
حركَ رأسَ جوزيف بحذائهِ . أمسكهُ من ياقتهِ بعنف :
– انهض !
الرجلُ لا يقوى على الوقوف ، يضربهُ ، يصرخُ بهِ أن ينهضَ ، يضربهُ ، توقفت المحركات ، الرجلُ يسقطُ كخرقةٍ . تسكنُ الرفوشُ والمعاول . يتقدم عاملان نحو الخيام . صمتَ كلُ شيء . النظراتُ تلتقي . لغاتٌ عديدة تتكسرُ في النورِ الباهر. ثلاثة عمال يتقدمون أيضاً . الملاحظون ينتشرون . صرخاتٌ غاضبة تترددُ في البرية الشاسعة . لكن الصمتَ عادَ يلفُ كلَ شيءٍ .
ـــــــــــــــــــــ
- يوم قائظ «قصص»، دار الفارابي، بيروت، 1984.
❃❁✾❈✤
✗ القصص القصيرة:
1 - لحن الشتاء «قصص»، دار الغد، المنامة_ البحرين، 1975.
❖ «القصص: الغرباء - الملك - هكذا تكلم عبد المولى - الكلاب - اغتيال - حامل البرق - الملاذ - السندباد - لحن الشتاء - الوحل - نجمة الخليج - الطائر - القبر الكبير - الصدى - العين».
2 - الرمل والياسمين «قصص»، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1982.
❖ «القصص: الفتاة والأمير - علي بابا واللصوص - شجرة الياسمين - العوسج – الوجه - الأرض والسماء - المصباح - نزهة - الصورة - اللقاء - لعبة الرمل- الأحجار - العرائس - الماء والدخان».
3 - يوم قائظ «قصص»، دار الفارابي، بيروت، 1984.
❖ «القصص: الدرب - أماه... أين أنت - الخروج - الجد - الجزيرة».
4 - سهرة «قصص»، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1994.
❖ «القصص: السفر - سهرة - قبضة تراب - الطوفان - الأضواء - ليلة رأس السنة - خميس - هذا الجسد لك - هذا الجسد لي - أنا وأمي - الرمل والحجر».
5 - دهشة الساحر «قصص»، دار الحوار للنشر والتوزيع، اللاذقية، 1997.
❖ «القصص: طريق النبع - الأصنام - الليل والنهار - الأميرة والصعلوك - الترانيم - دهشة
الساحر - الصحراء - الجبل البعيد- الأحفاد - نجمة الصباح».
6 - جنون النخيل «قصص»، دار شرقيات، القاهرة 1998.
❖ «القصص: بعد الانفجار - الموت لأكثر من مرة واحدة! - الأخوان - شهوة الدم - ياقوت - جنون النخيل - النوارس تغادر المدينة - رجب
وأمينة - عند التلال - الأم والموت - النفق - ميلاد».
7 - سيد الضريح «قصص»، وكالة الصحافة العربية، القاهرة، 2003.
❖ «القصص: طائران فوق عرش النار -
وراء الجبال - ثنائية القتل المتخفي - البركان -
سيد
الضريح – وتر
في الليل المقطوع – أطياف
– رؤيا
– محاكمة
على بابا – الحارس».
8 - الكسيحُ ينهض «قصص» دار نينوى للدراسات والنشر 2017.
❖ «القصص: الشاهدُ.. على اليمين - الكسيحُ
ينهض - جزيرة الموتى - مكي الجني - عرضٌ في الظلام - حفار القبور - شراء روح - كابوس - ليلة صوفية - الخنفساء - بائع الموسيقى- الجنة - الطائر الأصفر - موت سعاد - زينب والعصافير - شريفة والأشباح - موزة والزيت -
حمامات فوق سطح قلبي - سقوط اللون - الطريق إلى الحج - حادثة تحت المطر - قمرٌ ولصوص وشحاذون - مقامة التلفزيون - موتٌ في سوق مزدحمٍ - نهاياتُ أغسطس - المغني والأميرة».
9 - أنطولوجيا الحمير «قصص» دار نينوى للدراسات والنشر 2017.
❖ «القصص: انطولوجيا الحمير - عمران - على أجنحة الرماد - خيمةٌ في الجوار - ناشرٌ
ومنشورٌ- شهوة الأرض - إغلاقُ المتحفِ لدواعي الإصلاح - طائرٌ في الدخان - الحيُّ والميت - الأعزلُ في الشركِ - الرادود - تحقيقٌ - المطرُ يموتُ متسولاً - بدون ساقين - عودة الشيخ لرباه - بيت الرماد - صلاةُ الجائع - في غابات الريف - الحية - العـَلـَم - دموعُ البقرة - في الثلاجة - مقامات الشيخ معيوف».
10 - إنهم يهزون الأرض! «قصص» دار نينوى للدراسات والنشر 2017.
❖ «القصص: رسالةٌ من بـينِ الأظافر - الأسود - عاليةٌ - جلسةٌ سادسةٌ للألمِ - غيابٌ - عودةٌ للمهاجرِ - دائرةُ السعفِ - الضمير - المحارب الذي لم يحارب - الموتُ حُبـَأً - إنهم يهزون الأرض! - حـُلمٌ في الغسق - رحلة الرماد - أعلامٌ على الماء - گبگب الخليج الأخير - المنتمي إلى جبريل - البق - رغيفُ العسلِ والجمر - عوليس أو إدريس - المفازة - قضايا هاشم المختار - أنشودة الصقر - غليانُ المياه».
11 - ضوء المعتزلة «قصص» دار نينوى للدراسات والنشر 2017.
❖ «القصص: ضوء المعتزلة - جزرُ الأقمار السوداء - سيرة شهاب - معصومة
وجلنار- سارق الأطفال - شظايا - الترابيون».
12 - باب البحر «قصص» دار نينوى للدراسات والنشر 2020.
❖ «القصص: وراء البحر.. - كل شيء ليس على ما يرام - قمرٌ فوق دمشق - الحب هو الحب - شجرة في بيت الجيران - المذبحة - إجازة نصف يوم - حادث - البائع والكلب - ماذا تبغين ايتها الكآبة؟ - إمرأة – الربان - إذا
أردتَ
أن
تكونَ
حماراً - اللوحة الأخيرة - شاعرُ الصراف الآلي - البيت - حوت - أطروحةٌ - ملكة الشاشة - الغولة - وسواسٌ - مقامة المسرح - إعدام مؤلف - يقظة غريبة».
تعليقات