المشاركات

دهشة الساحــــــــر : قصة قصيرة ــ لـ عبدالله خليفة

صورة
  كانت ضجة عنيفة على الباب. لملم العجوز أطرافه المبعثرة بين النوم والحلم، وتعكز على ظلالا الظهيرة، وفتح، وفوجئ بانهمار مطر بُني من المفتشين ورجال الشرطة. وُضعت زجاجات الكافور والزعتر والورد، وارتجافات المواليد، وشظايا أماني العمر المديد وحبوب البصر، في الأكياس. لم يكن هناك في الحي من يرمق المشهد. الأغراب الذين سكنوا وصاروا رجال المليشيا، والجبليون المغمغمون بلغة رهيبة، لم يكونوا يدرون به. كانت الشمس وحدها ساطعة مثل مليون قنبلة. تعثر طويلاً ليركب [ الجيب ]. كانت أبعد مشاويره [ الخباز ] ودكان الأصحاب، وسطح بيته المهُاجم بدوي المكيفات. في المكتب واجه وجهاً بارداً مغسولاً بغبار الكولونيا. تراءت وراءه الكتب والمناظر الأجنبية. ثمة نباتات غريبة تغمغم. تأمل الطبيبُ المسئولُ المشعوذ، وهتف في نفسه: [ الآن وقع في قبضتي! يا لثارات تلك الأيام المرتجفة من خطواته المخيفة، ونظراته الميدوزية القاتلة !]. فكر كم مضت من سنوات وهو لم يزر الحي، منذ أن حمل والديه المنهكين من السنين فوق كتفيه وحط بهما في برية قاحلة، بمنزل واسع مريح لا يدنو منه القذرون. في تلك الليالي البعيدة، حيث تلسعه عصي الأولاد الأشقياء، و

عاليـــــــــــــــــةٌ : قصة قصيرة ــ لـ عبدالله خليفة

صورة
  عالية هالةٌ على رأسها كأنها نور خديجة بنت خويلد وهي تُصعدُ المصطفى للنجوم. أذكرْ اللهَ وهذا البلدَ المشنوق، تزدادُ بركةً وأنت تتأملها، وهي تصفعُ موظفةً مهملة، وهي تبتسم لك وتأخذك في قارب داخل البحيرة التجريبية وسفن ديلمون تحترق، تكلمها عن أبيها؛ عن أوراقهِ المصقولة المبهرة في زمن غربته، كيف كان القلمُ يتوهجُ في الكوخ والصحراء وبين القبائل الضائعة في الجبال، تُذهلُ وهي تطالعه، تستغرب حفظَه للسطور والفقرات الطويلة يقول: - (أمنيتي أن أقابله!) - (صعبٌ .. صعب!) يطالع في البيت العتيق الرثِ الملكات الأسطوريات لديلمون، كيف أنشأن أسطولَ السفن وملأن الجزرَ بالشجر، أذكرْ اللهَ وأنسَّ هؤلاء المضحيات بالبشر قرابين، الأشرعةُ الضبابُ الغيوم تنزفُ بحارةً، في كل ميل رقبة تُقطع، لسن كالأميرات الحقيقيات اللواتي لصقَ صورَهن في البيت، الأولى العجوز كانت هوايتها أن تضربَ السائق، الثانية المرأة المتصلبة التي تقذفُ الأشياءَ على الخدم، الثالثة الأخيرة التي رأستهُ في المتحف وجردته من ثيابه بحثاً عن سمكة ديلمونية ذهبية مفقودة. ليس ثمة جميلة سوى هالة، حين طالعتهُ في الدائرة الجهنمية تجمدتْ لحظات؛ وجهٌ متناسق، ش

الطريق إلى الحج : قصة قصيرة ــ لـ عبدالله خليفة

صورة
  قال الرجلُ في سره (هو يا سيدي حلمي أن أموتَ هنا ، بعد أن أدفنَ الصغيرَ سيهونُ كلَ شيءٍ . لو أنك يا سيدي رحمتني وأنا في شيبتي وعجزي بحياة هذا الفتى . لم يبق من القبيلة إلا أنا وهو . ومن المؤكد إنه لن يبقى طويلاً . أعرفُ ذلك . أعرفُ إنك تريده ولكني آمل أن تغير رأيك في آخر لحظة . ). حدقَ في الجبال الشاهقة ، دائماً كان يستندُ إلى شموخها في يأس صباحه ، تتفجرُ بالأنوار والندى ثم تعودُ صلدةً كالحة في الظهيرة. ومن قلبها الصخري القاسي يظهرُ طريقٌ بشري ، يتلوى كخيطٍ دقيق مرهفٍ للحياة ، ثم ينمو ويتسع حتى يضجُ بالأصوات والألوان ، فيصيرُ سيارات وشاحنات مليئةً بالخضار والمياه والفواكه والأولاد وباصاتٍ مكيفةً تحملُ الحجاج. قال الرجلُ وهو ينفثُ الدخانَ وأعشاباً صفراء من صدره:(يا سيدي آمل أن تعيدَ لي رجلاً وامرأةً من الذين هاجروا واختفوا في المدينة ، وإلا فإن كل هذه البلدة والحقول الميتة لن يحييها أحدٌ ، وهذه الأرضُ التي حملتْ اسمك ستندثر ، وحين يمرُ الناس ، وتصرخ السياراتُ بأبواقها لن تجد من تــُـقرأه السلامَ هنا . . رجلاً وامرأة قويين قادرين على الفلاحة والحب والضحك في هذه البرية.). رأى باصاً كبيرا