المشاركات

وراء البحر...: قصة قصيرة ــ لـ عبدالله خليفة

صورة
  ـــ 1 ـــ في غمرة البحر البعيد تتفتّح المياه عن ذرة رمل سوداء تتجلى شيئاً فشيئاً لتغدو قطعة صخر ضارية الملامح. صخور شوهاء الوجه قريبة من الرماد، وكأنها وجع بشري برز بضراوة في الامتداد البسيط للماء. شجرة شوكية أصلب من الموت برزت فيها كراية أخيرة للحياة. مسجد صغير انحنى للكون ومدّ مئذنته القصيرة يداً ضارعة للأعالي والطيور ودخان السفن. قارب سريع يندفع إلى تلك النقطة البعيدة مخلفاً وراءه ذيلاً طويلاً من الزبد. إبراهيم يجلس في المؤخرة متطلعاً إلى الزبائن الصامتين: رجل مشوّه يحاول أن يغطي وجهه بكوفية حمراء تخفّف من برصه. امرأة جميلة متفجرة الأنوثة ذات نظرة كئيبة، صبي تشبّث بحضن خالته. لم يستطع  ان يعرف عنهم شيئاً. حين كان يغتسل في المياه الباردة سمع سعلات لكائن ما، رفع رأسه فوجد الأبرص يتقدم نحو الرصيف الحجري ببطء وخوف. الشمس ارتفعت تواً فوق الأفق، والعصافير غادرت الأشجار قبل قليل فقط، وهو لم يغتسل ويعانق الماء جيداً، ولم يأكل شيئاً. ورؤية البرصاء والمشوهين والمقعدين والعميان لا تخيفه، ولكنها لا تسره. أقترب منه وهو عار تماماً في الماء. هكذا يجب أن يتجرّد من الثياب ويعود كائناً بحرياً يتوغل

تحقيــــقٌ : قصة قصيرة ــ لـ عبدالله خليفة

صورة
  سارتْ المحققةُ في الممرِ الطويل المعتم ، كان ثمة مصابيح صغيرة تومضُ لسيرِ الأقدام ، الصمتُ الرهيبُ يغلفُ المكانَ ، رسوماتٌ لوجوهِ رجالٍ ذوي أزياء خاصةٍ غريبةٍ تتطلعُ في الممرِ وتحدقُ في كلِ الاتجاهات. إنفتحَ ممرٌ آخر أقلُّ طولاً وأضيق ، الجداران يقتربان من الكتفين السائرين بهدوء ، والوجوهُ تحدقُ مباشرةً في العينين. إنفتح بابٌ آخر وكان ثمة حارسةٌ مسلحةٌ تقفُ عند باب. كانت فتاة جميلة منبطحة على السرير . حالما دخلتْ المحققةُ إعتدلتْ قليلاً وطوتْ ساقيها ، وإرتفعتْ قامتُها. - مرةً أخرى أريدُ حقيقةَ هذا الطفل الذي في بطنك؟ - ليس لدي جواب آخر ، إنه من الروح ، من إله. - جوابٌ خطيرٌ وغيرُ مقنع يُعرضكِ لعقابٍ أشد فيما لو كان الطفلُ ابنَ زنى. العتمةُ تنقشعُ قليلاً في الزنزانة ، السريرُ يصيرُ مسرحاً ، الفتاةُ بين حشدٍ من العاملاتِ في المشغل ، سجاجيدٌ ملونةٌ ناقصةٌ بين أيديهن ، عليها رسوماتٌ لوجوهٍ نضرةٍ ملائكيةٍ تكتملُ عبر أصابعهن الرقيقة الذائبة بين الخيوط والدموع. الأجسادُ نحيفةٌ ، يغطيها سوادٌ محكم ، الأحجبةُ تسحبُ الشَعرَ للداخل ، الدموعُ الكثيفةُ تصيرُ خيوطَ ضوءٍ رهيفةٍ تنزلُ على السجاجيد ،