وراء البحر...: قصة قصيرة ــ لـ عبدالله خليفة
ـــ 1 ـــ في غمرة البحر البعيد تتفتّح المياه عن ذرة رمل سوداء تتجلى شيئاً فشيئاً لتغدو قطعة صخر ضارية الملامح. صخور شوهاء الوجه قريبة من الرماد، وكأنها وجع بشري برز بضراوة في الامتداد البسيط للماء. شجرة شوكية أصلب من الموت برزت فيها كراية أخيرة للحياة. مسجد صغير انحنى للكون ومدّ مئذنته القصيرة يداً ضارعة للأعالي والطيور ودخان السفن. قارب سريع يندفع إلى تلك النقطة البعيدة مخلفاً وراءه ذيلاً طويلاً من الزبد. إبراهيم يجلس في المؤخرة متطلعاً إلى الزبائن الصامتين: رجل مشوّه يحاول أن يغطي وجهه بكوفية حمراء تخفّف من برصه. امرأة جميلة متفجرة الأنوثة ذات نظرة كئيبة، صبي تشبّث بحضن خالته. لم يستطع ان يعرف عنهم شيئاً. حين كان يغتسل في المياه الباردة سمع سعلات لكائن ما، رفع رأسه فوجد الأبرص يتقدم نحو الرصيف الحجري ببطء وخوف. الشمس ارتفعت تواً فوق الأفق، والعصافير غادرت الأشجار قبل قليل فقط، وهو لم يغتسل ويعانق الماء جيداً، ولم يأكل شيئاً. ورؤية البرصاء والمشوهين والمقعدين والعميان لا تخيفه، ولكنها لا تسره. أقترب منه وهو عار تماماً في الماء. هكذا يجب أن يتجرّد من الثياب ويعود كائناً بحرياً يتوغل